Menu














تقديم للدراسة حول "الملاءمة بين التكوين والتشغيل بالمغرب" السيد أحمد الحليمي علمي، المندوب السامي للتخطيط

Vendredi 11 Mai 2018

نعلم جميعا أن الساكنة في سن الشغل ببلدنا تشكل %63 من الساكنة الإجمالية وتتزايد سنويًا ب370.000 شخص. إن ذلك أحد تعابير الهبة التي يوفرها الانتقال الديمغرافي والتي لنا مصلحة ملحة لاستغلالها بحكم بطبيعتها المؤقتة، عبر نهج سياسة تنموية، يتلاءم فيها التكوين والتشغيل من أجل إعطاء النمو الاقتصادي ميزتي المتانة والاستدامة اللازمتين لضمان تحسين مستوى معيشة الأجيال الحالية واللاحقة بصفة دائمة.

على أنه تجدر بنا الإشارة إلى أن معدل نشاطنا لم يتجاوز وتيرة أنجع منذ سنوات، بل إنه في انخفاض مستمر منذ سنوات 2000 حيث كان يبلغ %54. هذا ومن جانبه، يراكم معدل التشغيل ضعفا في المستوى ونفس الاتجاه نحو الانخفاض، منتقلا من %46 إلى %42. وهذه كلها مؤشرات تبعث رسالة مقلقة في سياق اقتصادي يتسم بإكراهين: نمو متباطئ، منتقل في المتوسط السنوي من 5% بين سنوات 2000 و2008 إلى%3,7  خلال سنوات 2009-2017، مع انخفاض محتواه من التشغيل بمستويات من30.000  منصب في المتوسط لكل وحدة نمو إلى 10.500  بين الفترتين، مساهما في رفع معدلات البطالة والشغل الناقص إلى مستويات مرتفعة بشكل مزمن.


من البديهي والحالة هذه، أن تفرض مسألة التشغيل نفسها على بلادنا بحدة وبصفة دائمة، على رأس برمجة التثمين الضروري لمواردها البشرية، وصلابة تقدمها الاقتصادي والحفاظ على استقرار مجتمعها ودينامية مؤسساتها الديمقراطية.


وبهذا فإن دراسة العلاقات بين التكوين، في بعديه العمومي والخاص للتعليم العام والتكوين المهني من جهة، ولعرض الشغل في سوق العمل من جهة أخرى، قد تكتسي بكل تأكيد أهمية استراتيجية.


دراسة ذات طابع هيكلي ومستوى مجالي، وطني وجهوي
إن الدراسة التي نقدمها اليوم، يمكن أن تستأثر باهتمام خاص نظرا لتشكيلها فصلا من فصول الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014 وتقارب التشغيل من زاويتي المدونة الوطنية للتكوين التي تضم كما نعلم، 1672 نوع من مستويات شواهد التعليم والتكوين والمدونة الوطنية للمهن التي تجرد ما يفوق 896 مهنة.


وبهذا فإن التغطية الجغرافية والديموغرافية، ومتانة الحقل الموضوعاتي لهذه الدراسة، تضفي جميعها على محتواها بعدا بنيويا استثنائيا يؤهلها لتشكل على أساسه، مصدر إلهام مفيد لسياسة عمومية مستدامة للتنمية، ومقاربة شمولية لنموذج نمو اقتصادي واجتماعي.


وينبغي أن تعتمد التعديلات المحتملة، التي قد تبدو ضرورية مع مرور الزمن، لمعطياتها على النتائج السنوية "للبحث الوطني حول التشغيل"، حيث من المفروض أن تحتل مسألة العلاقة بين التكوين والمهن، من الآن فصاعدا، مكانا بارزا وفق نفس التطابقات بين مكونات مدونتي التكوين والمهن.
من الواضح اليوم أن الخلاصات الرئيسية لهذه الدراسة لا يمكنها أن تدعي توفير سوى بعض الخطوط العريضة للعلاقات بين التكوينات ذات الطابع العام أو المهني والمناصب التي تحدثها في سوق الشغل. ولكنها ستوفر مع ذلك، تحليلا بناءا لهذه العلاقات من زاوية تجلياتها في ظواهر البطالة ودونية المناصب بالنسبة للدبلوم أو الترقية فيها أو الملاءمة بينهما أو الارتقاء في الأولى اعتبارا لمستوى الثانية.


إن معايير النجاعة المهنية للتكوينات المفصلة حسب المستوى والشهادة، اعتبارا لعرض الشغل، يمكن أن يتم تحليلها على المستوى الوطني وكذلك على مستوى القطاعات والفروع الاقتصادية والجهات حسب نفس المقاربات والشمولية.


وهذا ما يدل على غنى الإفادات التي تزخر بها مثل هذه الدراسة والأفق الذي تفتحه للباحثين والفاعلين في الحياة الاقتصادية والاجتماعية ذوي الاهتمام، سواء على المستوى الوطني أو الجهوي، من أجل استخلاص ثمارها خدمة للأهداف التي تحددها برامجهم للتنمية الاقتصادية والإدماج الاجتماعي.


كما أن هذه الدراسة ستمنح السلطات الجهوية مادة مفيدة من أجل توجيه البرامج الاقتصادية والاندماج الاجتماعي على مستوى الوحدات الترابية لجهتها.
في جميع الحالات، لن أحجم عن الإلحاح بما فيه الكفاية على الطابع الأولي لنتائج هذه الدراسة في المستوى الحالي لاستغلالها. ويظل بعدها الإخباري بالضرورة شموليا ولن يكون مفيدا من منظور عملي إلا إذا أفضى إلى تحليل أكثر دقة خدمة لأهداف محددة تستجيب لحاجيات سياسية محددة بوضوح.


مقاربة بعض الخلاصات العامة
 في ظل التحفظ الذي تمليه هذه الملاحظة الأخيرة، ما هي الاستنتاجات العامة والمقتضبة بالضرورة، في حدود هذا اللقاء، التي يمكن أن نقدمها انطلاقا من نتائج هذه الدراسة دون المساس بالغنى الكامن في مضمونها؟ على أن بعضا من مساعدي سيتكفلون بالتطرق إلى جملة من جوانبها. وسأقتصر فيما يخصني، على إبراز تلك التي يبدو لي أنها تكتسي فائدة تقييمية لسياساتنا الوطنية في هذا المجال. أود بناء على هذه الأرضية صياغتها على شكل بعض الملاحظات:


1- نلاحظ أولا، كما يتضح من هذه الدراسة بأن ساكنتنا المشتغلة تضم عددا أكبر من حاملي الشهادات مقارنة مع الساكنة النشيطة بنسب تصل على التوالي إلى حوالي  %48و%51. ويشكل منها حاملوا شهادات التعليم العام و حاملوا شهادات التكوين المهني نسبة أكثر ضعفا، تصل إلى %38 بالنسبة للأولى عوض %40 وبحوالي %10 عوض %11 بالنسبة للثانية.
 
بالمقابل، نلاحظ أن نسب حاملي شهادات التعليم العام وحاملي شهادات التكوين المهني في صفوف السكان العاطلين، هي الأكثر ارتفاعا حيث تصل على التوالي إلى حوالي %48 و%17.
 
هذا الارتفاع النسبي في مستوى التأهيل العام لدى الساكنة العاطلة عن العمل يجد في الواقع تفسيره في تباين تأثير البطالة على نوع التكوين ومستويات التأهيل والشهادة.
 
هكذا بلغ معدل بطالة حاملي شهادات التعليم العام في المتوسط حوالي %20 وما يقرب من%26  بالنسبة لحاملي شهادات التكوين المهني و%11,2  تقريبا من بين النشيطين المشتغلين بدون شهادة.

يأخذ معدل البطالة اتجاها نحو الارتفاع من القاعدة نحو القمة لهرم المستويات المهنية للتكوين والشهادات، في حين يأخذ هذا الاتجاه عموما منحى معكوسا في حالة هرم مستويات وشهادات التعليم العام.
 
تنخفض معدلات البطالة مع شهادات التعليم العام من مستوى الثانوي والإعدادي حتى دبلوم الدراسات الجامعية العامة (DEUG)، حيث تنتقل على التوالي من %22 إلى%15  تقريبا بينما تنتقل بعد الإجازة إلى حوالي%19  من بين المجازين إلى %16 من بين حاملي دبلوم الدراسات المعمقة/دبلوم الدراسات العليا/الماستر، لتنخفض إلى %7,7 بالنسبة للمهندسين/الأطر العليا وإلى %4 بالنسبة للدكاترة.
 
إن تحديد معدل البطالة حسب شهادات التعليم العام يدعو إلى إعادة قراءة الرسالة التي تبعثها الفكرة الشائعة في أدبيات التشغيل، والذي يرتفع بمقتضاه معدل البطالة بانتظام حسب مستويات الشهادات بالمغرب.
 
بالمقابل، لا تبقى هذه الفكرة صحيحة فيما يتعلق بالتكوين المهني. يعرف البطالة منحى مختلفا لحاملي شهادات التكوين المهني إذ يرتفع بحوالي %21 للحاصلين على شهادة الاستئناس المهني، إلى %26 بالنسبة لحاملي شهادة التخصص المهني، و%29 بالنسبة لحاملي شهادة التأهيل المهني، وحوالي %27 بالنسبة للتقنيين المتخصصين.
 
يتضح أن المردودية الخارجية للتكوين المهني تبين بدون التباس مستوى أداء مشكوك فيه، سواء من حيث الكم أو النوع مقارنة مع مثيلتها بالنسبة للتعليم العام.
 
2 وعلى مستوى التشغيل، مع معدل وطني يبلغ في المتوسط %7,6 بين مجموع حاملي الشهادات، فإن حاملي شهادات التكوين المهني يسجلون معدلا إجماليا على مستوى دونية المناصب بالنسبة للدبلوم يفوق بثلاثة أضعاف ذلك الخاص بحاملي شهادات التعليم العام مسجلين على التوالي %33,6 و %11,6.

هذا التباين بين معدلات دونية المناصب بالنسبة للدبلوم بالنسبة لحاملي شهادات النوعين من التعليم، تتواجد سواء على مستوى المهن المزاولة من طرف أصحابها أو بالنسبة للحرف التي يمارسونها وقطاعات الأنشطة التي تشغلهم.

في الواقع، فإن دونية المناصب بالنسبة للدبلوم هي في الآن ذاته نتاج ضعف ملاءمة الشهادات مع عرض الشغل وضعف مستوى وتنوع هذا العرض. وهكذا، فهي تظل مرتفعة بشكل خاص في " الفلاحة والغابات والصيد" ، و" الصناعات الاستخراجية والتحويلية"، أو أيضا البناء والأشغال العموميةحيث يكون عرض الشغل مرتفعا وضعيف التأهيل، في حين أنها تتجه نحو الانخفاض بالمقابل، فيالإدارة العمومية، و التعليم والصحة والتي تتطلب فيها مناصب الشغل تأهيلا أكبر.
 
بالإضافة إلى ذلك، نلاحظ أنه عندما يتعلق الأمر بفئة حاملي الشهادات فإن دونية المناصب بالنسبة للدبلوم تكون نسبيا غير ذات أهمية في المهن التي يخضع فيها التوظيف لدليل مرجعي دقيق للكفاءات أو في تلك التي تستوجب ممارستها تكوينا خاصا. وهكذا، فإن الملاءمة بين التشغيل والتكوين، تظهر بجلاء في المهن التابعة مثلا للنظام المالي، وللإدارة العمومية و للصحة أو في المجالات ذات الطابع الديني أو الأمني.

3 -  نستخلص بالضرورة على مستوى ثالث، أن التكوين المهني وبالنظر للضعف البين لملاءمته مع سوق الشغل، لا يمكن تقييمه دون وضعه في إطار الهياكل الاقتصادية الوطنية. فالمناصب التي توفرها هذه الأخيرة والتي لا تتطلب في معظمها أي تأهيل وضعيفة الحماية والأجر، تبخس في الواقع التكوين ولا تشجع الأفراد و الأسر على الاستثمار من أجل الحصول على أكثرها كفاءة.  

يمكننا من الآن فصاعدا على ضوء دراسة " التكوين و التشغيل" التي نقدمها اليوم، تجنب السؤال العميق الذي من المشروع طرحه، أي تكوين لأي عمل؟ مع العلم أن الجواب يقتضي معرفة مناصب الغد التي تطرح اليوم إشكالية والتي تظل بدورها خاضعة لمستوى التوقع المتاح لنا حول التطور الذي يجب أن تعرفه بنياتنا الاقتصادية والاجتماعية ومن ثمة السياق الاقتصادي الدولي الذي يعرف تحولا عميقا.

 
الرباط في 2 ماي 2018
 
 
 
 

Télécharger


Brahim KEJJI

Nouveau commentaire :